لبنان: 96171010310+     ديربورن: 13137751171+ | 13136996923+
5,531 مشاهدة
A+ A-

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.
 
بعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: "في القراءة الإنجيلية لهذا اليوم مشهدان مستقلان، لكن مغزاهما واحد وهو أن الرب يسوع هو معطي الحياة. فيايرس، رئيس المجمع، الذي لم يعلن إيمانا صريحا بيسوع، طلب منه أن يذهب إلى بيته ليشفي ابنته الوحيدة. أما المرأة، فبإيمان عميق، أدركت أنها بلمس ثوبه تشفى، وحاولت الوصول إليه رغم الجموع".
 
أضاف: "قد تكون الجموع زحمت المسيح، لكنها لم تأت إلى الشركة الحقيقية معه. تبعته بالجسد، لكن كلمته لم تغيرها. لبث الناس منغلقين على أحكامهم المسبقة، وعلى أهدافهم الضيقة. لم يكن الإيمان قد أشرق فيهم بعد، لذلك بدوا فاقدي النور، جامدين. إنهم الشعب السالك في الظلمة، ولم يستطيعوا أن يفتحوا أعين نفوسهم على النور العظيم الذي أتى لابسا جسدا، وحل فيما بينهم. أما المرأة النازفة الدم، فشعرت بإحساس مختلف، لأن يأسها من أطباء البشر قد فتح لها طرق الإيمان. لا شك أنها كانت خجلة من دنسها بحسب رؤية الشريعة اليهودية للمرأة النازفة، لكنها أدركت أن المسيح المار هو الطهارة، وفيه خلاصها. تمثل هذه المرأة صورة المؤمن الحقيقي الذي يعي خطيئته (دنسه) من جهة، ولا ييأس من إمكانية الخلاص، ويعرف من أين يأتي خلاصه من جهة أخرى. نفس المؤمن الحقيقي متواضعة وواثقة في آن. لو اكتفت هذه المرأة باليأس بعد تعذر شفائها لماتت. لكنها أدركت أن الألوهة بكليتها قد حلت في يسوع الناصري، في سر التجسد الإلهي، وأنه وحده الشافي ومنه وحده الحياة.  يذكر الإنجيلي مرقس أن النازفة الدم قالت في داخلها، وهي تقترب من المسيح: إن مسست ولو ثيابه شفيت (مر 5: 28). لا يدل هذا الكلام على إيمان المرأة الكبير فقط، بل على المعرفة العميقة التي منحها إياها الإيمان أيضا. لقد أيقنت أن نعمة الله تعبر من الشخص إلى الجوامد، وأن ثياب المسيح تحمل قوته الشافية بسبب ملامستها جسده الكلي الطهر. لم ينطو هذا الإيمان على معتقدات وثنية أو أوهام خرافية. لم تر في الأشياء المادية قوى سحرية، بل ارتبط لديها الإيمان والمحبة بشخص المسيح، ووجدت في شخص الإله - الإنسان مصدر القوى الشفائية. بهذا الإيمان جاءت من ورائه ولمست هدب ثوبه، ففي الحال وقف نزف دمها. بلغ بها الإيمان بقدرة المسيح على شفائها أنها سرقت منه هذا الشفاء".
 
وتابع: "حتى أحباء المسيح، القديسون، الذين تظلل النعمة الإلهية حياتهم، تصبح أشياؤهم مصدر شفاء. فالقديس نكتاريوس أسقف المدن الخمس، الذي نعيد له بعد يومين، عندما رقد بالرب في المستشفى، جاء من يغسل جسده، فنزع رداؤه الصوفي عنه وألقي بإهمال على السرير المجاور. كان في ذلك السرير إنسان مشلول الساقين، فما إن لمسه ثوب القديس حتى وقف وطفق يمشي راسما إشارة الصليب، ولم يفهم أحد ما حدث من شدة الدهشة. الأمر ليس سحرا، لكن محبة الله وقديسيه واسعة، وهي تظهر لنا بطرق كثيرة".
 
وقال: "في حالات كتابية أخرى، يجري الحوار بين المسيح والمريض، أو مع أهل بيته، قبل الشفاء. أما في حالة النازفة الدم فلم يجر هذا الحوار. غير أننا نستطيع أن نفترض حدوث هذا الحوار بشكل سري، في موضع القلب المستنير بالإيمان. حوار الإيمان الداخلي هذا، الذي دفع بالمرأة إلى لمس ثوب المسيح، جعل المسيح يشعر بحضورها، ويقول: من لمسني؟. وإزاء حيرة التلاميذ الذين أعربوا عن استغرابهم كيف يسأل سؤالا كهذا فيما الجموع تحيط به وتزحمه، عاد المسيح وقال بإلحاح: قد لمسني واحد. لم يقل لمسني كثيرون، بل واحد. السبب، كما أوضح فيما بعد، هو أن شخصا اجتذب قوته إذ قال: لأني علمت أن قوة قد خرجت مني. لم يعن المسيح أنه شعر بانتقاص في قوته، لأن المسيح، كإله، لا يخضع لمفهوم الكمية، فهو ينبوع قوى لا تفرغ، ينبوع لا ينضب ولا ينقص ولا يزيد، لأنه ما من شيء فوق الله، والزيادة تتعلق بالمخلوقات العابرة. إذا، قصد المسيح أن قوته الضابطة كل الخليقة انتقلت إلى إنسان آخر. في الوقت نفسه، يريد بهذا القول أن يبين فعل النازفة الدم السري، وأن يكشف إيمانها، وأن يحضرها إلى الوسط ليقول لها: ثقي يا ابنة، إيمانك أبرأك". 
 
أضاف: "أظهر المسيح، وسط الجموع، أنه لم يشعر بحضور الناس الذين يزحمونه. هذا الموقف الغريب بالنسبة إلى الأحاسيس الجسدية يصفه المسيح نفسه في كلامه عن الدينونة الآتية. حينئذ، كثيرون من الذين باسمه صنعوا قوات كثيرة سيسمعون منه هذا الكلام: إني لم أعرفكم قط، إذهبوا عني يا فاعلي الإثم (مت 7: 23). سيقول إنه لم يعرف هؤلاء الذين كان يعمل بواسطتهم، وهذا الموقف يجب أن يستقطب تفكيرنا مليا. كثيرون من المسيحيين يرون الحياة المسيحية محصورة في حفظ بعض الشكليات، فيما يكتفي بعضهم الآخر بالإستعانة بها كسند نفسي في لحظات صعبة من حياتهم، لتخفيف معاناتهم. فريق ثالث يشارك في المحاضرات والطقوس والاحتفالات الدينية ويقرأ الكتب، ويتناقش في المسائل اللاهوتية. هذه كلها مظاهر مهمة من الحياة الروحية، وهي من عناصر الحياة المسيحية، لكنها لا تكفي لخلاصنا. هذه كلها قد تسهم في الضجة حول المسيح، كما هي حال الجموع في إنجيل اليوم، من دون أن نبني علاقة حقيقية مع شخصه. لعل المشكلة هي كيف ندخل معه في حوار داخلي مثل النازفة الدم، وكيف نتفوه بصلاة صادقة تجتذب قوة الله الشافية التي تزيل أمراضنا الروحية. الصلاة تنبع من الإيمان الذي هو بدوره انفصال عن عقلية هذا العالم، من أجل أن نصير متحدين بعقل الله الكلمة، أي المسيح. عقلية المسيحي هي الإيمان، وهذه العقلية الفائقة القدرة تمتع بها جميع القديسين. هذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا (1يو 5: 4)، والذين يمتلكونها هم أحباء المسيح المعروفون منه".
 
وتابع: "نعيد غدا عيدا جامعا لرؤساء الملائكة ميخائيل وجبرائيل وروفائيل وسائر القوات الملائكية. إسم ميخائيل يعني من مثل الله؟ وجبرائيل يعني جبروت الله، وروفائيل شفاء الله أو الله الشافي. وانطلاقا من هذه المعاني نسأل: من مثل الله، وأي جبروت أقوى من جبروته، ومن يشفي غيره؟ إنه المحبة الكاملة والتضحية التي لا حدود لها".
 
وقال: "ما حصل في الآونة الأخيرة في بلدنا الحبيب لا يدل على أي نوع من أنواع المحبة، ولا عمن يصون هذه المحبة التي عرف بها لبنان، منذ نشأته، تجاه جميع أبناء العالم، القريبين منهم والبعيدين، يحترمهم ويحترمونه. فهل يعقل، في بلد المحبة، الذي وطئت أرضه قدما المسيح، إله المحبة والسلام، أن تعلق لافتات مسيئة للبشر، كائنا من كانوا؟! وأن يطلق للألسنة العنان؟ هل يعقل أن تحاك على أرضه سيناريوهات حاقدة لا يجني منها لبنان سوى الخراب والأزمات، الواحدة تلو الأخرى؟ هل يعقل لوطن غسان تويني وفؤاد بطرس وشارل مالك وفيليب تقلا وشارل حلو وجان عبيد، وغيرهم من رجالات المدرسة الديبلوماسية اللبنانية العريقة، أن يمسي وطنا معزولا عربيا ودوليا بسبب تصريحات وأفعال لا تعرف المحبة ولا تضع المصلحة الوطنية أولوية؟ إن الكلام مسؤولية، ومن واجب الإنسان، والمسؤول بخاصة، أن يزن كلامه احتراما لنفسه ولكرامته وكرامة وطنه. ألا تكفينا المشاكل والأزمات؟ هل نحن في حاجة إلى مزيد؟ لبناننا الحبيب ينازع على أيدي هواة، وقد يلفظ أنفاسه الأخيرة ولم نشهد أي معالجة جدية. المواطن بح حلقه من الأنين، لم يعد قادرا على إعالة نفسه وعائلته، حتى ربطة الخبز أصبحت سلاحا يفتك بجيب اللبناني".
 
أضاف: "طالت فترة الإذلال، ولم يعد المواطن قادرا على التحمل، وعوض أن يتكاتف الوزراء ويتآزروا في عملهم من أجل وقف التدهور وبدء التقدم، نرى تعطيلا وشللا بسبب تباين المواقف، والخلافات والتناقضات والمصالح التي تفرقهم عوض أن يكونوا مجتمعين على فكرة العمل والإنقاذ، بحسب شعار حكومتهم. ماذا نجني من التعطيل إلا المزيد من الانهيار؟ وهل يميز الانهيار بين فئة وأخرى وطائفة وأخرى؟ ويحدثوننا عن العزة والكرامة وحرية التعبير. أي كرامة لبلد ضعيف، مفلس، منهار، معزول، محكوم إلا بسلطة القانون؟ أين حرية التعبير والأفواه تكم بالإكراه؟ في الأزمات، على مجلس الوزراء أن يكون في انعقاد دائم، أما عندنا فيتم تعطيله ووقف عمله بسبب صراعات مدمرة، عوض التضحية من أجل لبنان لكي يبقى. ما جدوى المراكز أمام مصير البلد؟ وما أهمية المقاعد الوزارية أمام وجع الناس؟ أحبوا شعبكم بقدر محبتكم لأنفسكم، وارأفوا به رأفة بأنفسكم".
 
وختم عوده: "في النهاية، دعوتنا اليوم إلى أن نجعل كل كياننا يتكلم مع الرب بلغة الصلاة. فالقلب المصلي يكون متواضعا، والقلب المتخشع المتواضع لا يرذله الله على حسب قول النبي داود".


تغطية مباشرة آخر الأخبار

  • صحيفة "يديعوت أحرونوت": نيران ومفرقعات على بعد 200 متر قرب منزل نتنياهو، مظاهرة عاصفة في "إسرائيل" بعد نشر حـm|س فيديو محتجز إسرائيلي
  • المتظاهرون الإسرائيليون يحاصرون مبنى حكومياً كان في داخله بن غفير ويواجهونه بشعارات استهجان
  • مساعدة وزير الخارجية الأمريكي: لم نمنح الضوء الأخضر لعملية عسكرية في رفح
  • مساعدة وزير الخارجية الأميركي: احتمالات التصعيد على الحدود مع لبنان حادة

زوارنا يتصفحون الآن