أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

تابعت مسيري

الخميس 28 نيسان , 2016 03:55 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 13,364 زائر

تابعت مسيري

و اخيراً قد جاء تكليفي للتصحيح في الامتحانات الرسمية لوزارة التربية الوطنية ،يا الهي ، كم احس بالراحة و السعادة ، هذه الساعة هان كل عناء او مشقة تكبدتها ،حقيقة ان البلد لا زال بالف خير، و الموضف يستطيع احياناً الوصول بلا تواسط او تدخل معارف،و يصل بجهده الساعي اذا كان جديراً، وها انا ذا اقود سيارتي متذكرةً كم قدمت من الاوراق و الشهادات للمدير و المدير العام و المدير المسؤول و كم راجعت و تابعت.

هي في العاشرة من العمرِ ، شعرها الاسود الجميل على كتفيها ، وجهها الاسمر الطفولي الفتان يؤثر فيك لمدىً طويل ،تعترض الطريق، تتسول على اشارة المرور ، تتعقبك ،تناشدك نقدها المال ، تقترب من عربتي محدثةً طالبةً الدراهم ، احياناً اشفق على الشحاذين ،و لكن هذه المرة تمتمت

* " الله يبعث لك "

و فتح شرطي السير وبنفس اللحظة الاتجاه ، لاكمل مساري .

هي الساعة السابعة و الربع صباحاً ، اصل الى مركز التصحيح المحدد لاداء المهام ، تحت تلك الشجرة ،قد ركن الكثير مركابتهم، وسط حيرتي وتفكيري ،كيف و اين سأصَّفْ آليتي، يتجه صوبي شاب في الخامس و العشرين ،يلبس ملابس رياضية ، بنطاله ازرق جينزي ، قميصه اسود وصلت اكمامه للساعد ، ينتعل حذاءاً ليناً،افكر ،ربما هو البواب يكلمني مؤشراً عارضاً المساعدة:

-يمين ...يسار ...امام ... وراء..

امتثل لإرشادته ...قاطرتي عكست اتجاهها تماماً، و هكذا اصبح شمالها يمين، و المقعد المجاور لي تحت ناضري مساعدي، انجز الأن الخطوة الأخيرة من الارساء ...

ارفع يديَّ محييةً رجولته ...

* شكراً اخي ...

يركب دراجته النارية منطلقاً ،و اتخيل انه يرد سلامي بيده التي ارتفعت ، لكنها و بسرعة البهلوان ،دخلت من شباكي المفتوح ،لتحط على الكرسي المحاذي لي و تسلبني حقيبتي .

حوت محفضتي في ذاك اليوم ، راتبي الشهري ، اوراقي الثبوتية ، دفتر القيادة ، و الكثير من البطاقات المعرفة و الشهادات الدراسية ، الصدمة التي اعترتني ، ما شلتني الا للحظات ...

كنت اركض ،بكل ما أتاني الله من قوة، تابعةً السارق ، تاركةً مركبتي تأن ،مصدرةً اصواتاً ، معلنةً انها لا زالت جاهزة للإنطلاق ....

و كحبات الملح ،و بلمح البصر، اختفى اللص ،و كأنه فقاعات تبخرت، وسط ذاك الاوتستراد العريض ،الممتد، المتعدد الاتجاهات ...

هو سمير زميلي للعمل في المدرسة ، يَمْثُلْ امامي الأن ، و قد ظهر كشبح ،قاطعاً حيرتي و ارتباكي مما حدث لي ، ربما هو ايضاً جاء تعيينه :

-صباح الخير ..هدى .. انت هنا ايضاً .... للتقييم ؟؟؟

- صباح النور ....اجل انا مكلفة بالتصحيح و اعطاء العلامة ... لكن حقيبتي سلبت مني ...

- كيف تم ذلك ..

اقص عليه و على مرافقه ما جرى معي ...

* ليس لك الا ان تصعدي الى مكتب المدير و تطلعيه على القصة و هو يراجع الكاميرات ...

في مكتب المدير ،و بعد اذن عبر امانة السر ، اطلب منه ترجيع التسجيلات المسجلة من خلال كاميرات اجهزة المراقبة ليرى الفاعل و يشي به ، تعاطف الاستاذ صدقي معي ،ورغم ذلك حولني الى الاجهزة الامنية للتبليغ و الإدلاء بإفادتي ، و طمأنني الى انني استطيع استلام مهامي بعد الإدعاء و الشكوة .

مشيت في ذاك الطريق سائلةً مستدلة عن مخفر هذه المنطقة ، وصلت الى المكتب الكائن في الطابق الأول صاعدةً الدرج العتيق لأصل لاهثةً مرهقةً ، و حين ساررت الدركي الجالس في الخارج إلا اني قد نهبت مني بعض اغراضي ، حولني للمحقق الموكل بتحرير المخالفات، فاخذ يكتب و يتكب التفاصيل بدفاتره ، ثم طلب مني انتظاره ، ليرى ان كنت مطلولبة على جنحة.

شاردة ساهمة بما جرى معي ، ليقطع استرسال افكاري دخول صبية مع احد افراد الأمن ، هي تدعي على شخص يغازلها، بواسطة الهاتف، باعثاً لها الصور المنافية للأخلاق، و عاد الامني المعني بدعواي بعد ان تأكد له انه ليس علي شبهة.

انهيت ادلائي بأقوالي لأؤوب بعد ذلك الى حيث كدحي و كسبي ، يا لفرح الحزينة بأول ايعاز رسمي لها بالتقييم لإمتحانات الطلاب في كل المناطق الكائنة في ربوع الوطن ، تعرفت على رئيس عن المادة باقتضاب و اطلعته على ما حصل ، و دفع هذا الرفاق المصححون للبسمة للطرفة التي ارجعتهم الى شيء من الحياة و همومها، بدأ زملائي وضع الأسـس قبلي ،بفترة وجيزة، و التحقت بهم ، استلمت ملفاً يعود لأحدى المحافضات ، كنت افضى المغلف مصدومة من ذكرى ان نظاراتي الطبية كانت ايضاً داخل تلك الحقيبة المنحوسة، و المصادف أن المحفظة كانت عادية جداً غير ملفتة من القماش لها حمالة على الكتف،و لم تكن باهضة الثمن ليطمع بها الناظر.

تابعت ممارسة واجبي متحديةً كل شيء حتى ذاتي المقهورة .

مضت اربع سنين على هذه الحادثة ، و لا زلت اطالب ببطاقة هويتي ، و يعود الي دائماً طلبي مرفوضاً لأسباب لا افهمها كاعادة بصمات ، و اكمال معلومات و و و ....

وفاء احمد بزي

Script executed in 0.19296383857727