أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حكومة رفيق الحريري حلّت «القوات» .. هل وظيفة «المستقبل» تعويمها؟

الإثنين 29 آذار , 2010 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,550 زائر

حكومة رفيق الحريري حلّت «القوات» .. هل وظيفة «المستقبل» تعويمها؟

والمستغرب أن النبرة الهجومية ضد سوريا، تأتي في الوقت الذي يسعى فيه عدد من الأطراف الداخلية، وفي ضوء معطيات إقليمية، الى إعادة بناء وتدعيم جسور التواصل مع سوريا، وثمة سؤال يتردد في القصر الجمهوري «هل ان المطلوب في هذه المرحلة هو إعادة عقارب الساعة الى الوراء، ام التطلع الى الأمام وسلوك طريق الاعتدال والانفتاح واعتماد المنطق التوافقي والتصالحي. ولو عدنا الى الماضي فإن الجميع خرجوا مجروحين، وليس طرفاً بعينه»؟

يقول قيادي لبناني معارض إن رئيس الجمهورية احسن في التقاط المعنى السياسي الخطير الذي قيل في «البيال»، ومن خلال ذلك «ارسل رسالة إيجابية الى دمشق والمعارضة تشكل رصيداً إضافياً له يمكن البناء عليه للمرحلة المقبلة، خاصة ان موقف رئيس الجمهورية في لحظة معيّنة احدث التباساً لدى بعض الجهات السياسية، لكن موقفه في «البيال» قطع الشك باليقين».

وأما في عين التينة، فالامتعاض واضح من التغريد «القواتي» المتمادي خارج سرب الواقعية والاتعاظ من تجارب الماضي». ولذلك كان سحب تمثيل الرئيس نبيه بري من الاحتفال أضعف الإيمان. علماً أن بري وقبل انتدابه من يمثله، تلقى وعداً من بعض نواب «القوات» بألا يذهب الكلام الى حد ما ذهب إليه. فأعطى بري موافقة على تمثيل مشروط بألا تخرج المواقف عن السياق المقبول ضمن الاختلاف السياسي. ولكن عندما لاحظ إخلالاً بالوعد بخروج الكلام عن أدبيات الوفاق الوطني وبالافتراء على سوريا والرئيس الأسد، بادر الى سحب ممثله.

وأما في اليرزة، فكان الأمر واضحاً لممثل قائد الجيش العماد جان قهوجي، بالتقيّد بالتعليمات الدائمة التي يعتمدها ممثلو قائد الجيش في المناسبات أياً كانت، وفيها: «عندما يتطرّق الخطباء الى مواضيع حساسة، وتنطوي على إحراج للمؤسسة العسكرية، يقدم ممثل القائد على الانسحاب بلياقة من الاحتفال»... وهكذا كان في «البيال».

ما من شك أن «القوات» لم تكن تتوقع ان تتلقى تلك «الضربة الثلاثية»، فحاولت امتصاصها باتصالات استدراكية في اتجاه بعبدا وعين التينة واليرزة، محاولة نفض يدها من مضامين الخطابات الهجومية على سوريا والرئيس الأسد «فهي تعبر عن رأي أصحابها، فيما «القوات» معنية فقط بمضمون خطاب سمير جعجع. ولا يبدو أن حجتها كانت مقنعة».

هل سيبقى ما حدث في حدود الانسحاب أم أنه سيتداعى الى ما هو ابعد في الأيام المقبلة؟

ما من شك ان احتفال «البيال» بكل مضامينه السياسية والتباساته، وسـّع مساحة الأسئلة المطروحة حول «القوات» بدءًا بطبيعة مناسبة حلـّها»، التي تحتفل فيها وأي معنى تنطوي عليه، وصولاً الى موقع «القوات» الآن في السياسة الداخلية، بالإضافة الى علاقة سلسلة من الاطراف الداخليين والخارجيين بها؟

الواضح ان احتفال «البيال» كان متقن التنظيم، وأن كل تفاصيله مرت في مرحلة تحضيرية مكثفة من المناسبة بحد ذاتها والغاية منها، الى المكان الذي قيل إنه نقل من «الفوروم دو بيروت» الى «البيال»، الى جلوس المدعوين، وحتى آخر تفصيل يتصل بالإضاءة والصوت والصورة. أي ان الاحتفال بشكل عام كان كلاً متكاملاً شكلاً ومضمونا، والخطب السياسية التي تخللته، بدت كلها في سياق خطاب واحد تم توزيعه على مجموعة خطباء يتولى كل منهم تقديم جزء منه.

فالاحتفال، بما اعتراه في الشكل والمضمون، أطلق مجموعة من الرسائل السياسية، اراد سمير جعجع توجيهها في اتجاه الحلفاء والخصوم في الداخل والخارج، وأبرزها الآتي:

أولاً، إن «القوات»، ومن خلال هذا المهرجان سواء بالمعنى التنظيمي او السياسي، باتت رقماً صعباً وتشكل عنصر الضد المتوازي مع التيار الوطني الحر.

ثانياً، إن «القوات» تؤكد للحليف العربي والغربي أنها قادرة على ملء الفراغ الذي احدثه خروج وليد جنبلاط من 14 آذار، وأنها من موقعها كلاعب مركزي أساسي على الساحتين اللبنانية والمسيحية تملك القدرة على تظهير ذاتها في مواجهة ما هو قادم من استحقاقات، وبالتالي باتت الطرف الأكثر حيوية في جسم 14 آذار.

ثالثاً، إن «لقوات» ما تزال تشكل نقطة التحالف المركزية مع الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، ولذلك فإن العلاقة بينهما لم تتعرّض الى أي اهتزاز برغم التحولات التي شابت المناخ السياسي العام والتي قادت الرئيس الحريري الى دمشق. والمثال على ذلك تجلى في الشراكة الكاملة لنواب الحريري في الاحتفال كخطباء وكجمهور.
رابعاً، لا صحة لما تردد عن بدء رفع الغطاء السعودي عن «القوات»، لا بل هناك تغطية سياسية كاملة للقوات ولعلاقتها بتيار المستقبل.

ماذا عن رئيس الحكومة سعد الحريري، ولماذا لم يبدر عنه أي رد فعل وهل من تداعيات محتملة لمقاربته لاحتفال «البيال» على صعيد زيارته الى دمشق في 13 و14 و15 نيسان؟

هناك من يعتقد ان الحريري لم يوفق في النأي بنفسه عما بادر اليه الرئيسان سليمان وبري. وفي رأي هؤلاء انه اذا كان سليمان وبري معنييْن في إبداء اعتراضهما على الكلام غير اللائق بحق الأسد، فربما يكون الحريري معنياً بقدرهما وربما اكثر منهما، وخصوصا على باب زيارته المرتقبة الشهر المقبل الى دمشق للقاء الأسد، والتي يجري التمهيد لها بإجراءات لتنقية شوائب ما بعد الزيارة الأولى، وبخطوات كان آخرها زيارة «رسوله المعتمد» وإبلاغه من يعنيهم الأمر في سوريا بـ«أن الإيجابيات قد بدأت ترجمتها على الارض».

والواضح ان عدم مبادرة الحريري الى سحب تمثيله من الاحتفال، منطلقة من شراكة تبدو كاملة في الاحتفال بين القوات وتيار المستقبل، وتجلى ذلك في وجود خطيبين وقفا على منبر «القوات»، إضافة الى صف طويل من النواب والشخصيات التي ضاقت بهم الصفوف الأمامية والخلفية للقاعة، من دون إغفال حقيقة أن إعلام «المستقبل» وخاصة اخباريته الفضائية، بثت الاحتفال مسجلاً ولم تحذف فقرة مما قيل، بل جعلته كاملاً صوتاً وصورة.

وما ينبغي ملاحظته هنا، أن الخطاب السياسي الذي قدمه خطيبا المستقبل في «البيال»، ابرز الثقافة التي يعتمدها تيار المستقبل حالياً في مقاربة القوات ماضياً وحاضراً.

ولكن إذا أردنا أن نتجاوز العلاقة التحالفية الحالية بين القوات والمستقبل، فإن ذلك يقود فوراً إلى إحاطة موقف خطيبي المستقبل بالكثير من علامات الاستفهام، وخصوصاً أن هذا الموقف يلقي التباسات على الموقف الذي سبق وتبناه الرئيس الشهيد رفيق الحريري من «القوات» التي جرى حلها في عهد الحكومة التي كان يرأسها عام 1994.

كما يحمل ذلك إلى طرح السؤال التالي: الشخصيات المستقبلية التي وقفت على منبر «القوات»، وكالت المديح للقوات وماضيها بالأمس، هي نفسها كانت إلى جانب الرئيس الشهيد في ذلك الوقت، فهل ناقضت موقفه آنذاك، ولماذا التخلي عن قناعات الرئيس الشهيد، وهل أن تلك الشخصيات طوّرت قراءتها إلى درجة تخلت فيها عن قناعات الرئيس الشهيد.

Script executed in 0.19263195991516