أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

خطاب سعد الحريري بين الداخل والخارج

الأربعاء 31 آذار , 2010 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,779 زائر

خطاب سعد الحريري بين الداخل والخارج

قمّة الترجمة للانفراج تبلورت في رحيل «مَن لا يحتاج إلى فحص دم مستمر» عن رئاسة الحكومة ومَن «يمثّله» (والذي قال إنه لبنن الطائفة السنّية، وكأنه فخر له أن لا تبقى كما كانت رائدة للخطّ النضالي والعروبي)، وصعود نجم شاب فُرضت عليه السياسة كوريث لرجل مميّز وصل إلى درجة من الاستثنائية، جعلت يد الإجرام لا تتوانى عن اغتياله لخدمة هدف حشر أخصام «الاعتدال العربي»، بعد الفشل في مواجهة نموّهم العسكري والشعبي.

نشأت المحكمة الدوليّة استثنائيّاً للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ونجح المجرمون إلى حدّ ما في تأجيج حالة مذهبيّة دفينة، جذورها تافهة وأهدافها أتفه. ظهر سعد الحريري فجأةً رئيساً لتيار سياسي متحالف مع «الانتحاريين التقليديين» الذين أدخلوا «لبنان 1860 القديم»، كما أدخلوا «لبنان 1943» في حروب أهلية ما زالوا يحلمون بالآتية منها. كان حينها حزيناً على أبيه، لكنه انحرف من العاطفة إلى بعض مَن أقنعوه بأنه «سيغيّر وجه المنطقة» بزعامة مذهبيّة. حكمته نزعة الانتقام لوالده، وكان أمراً تفَهَّمه البعض، ولو أنه أفقده البوصلة في مرحلة ما.

بعض «وطاويط الليل» تقنعه بأنه لا يزال قادراً على استعمال رصيد «البراءة السياسيّة». لم يعد فقط ابن شهيد، بل رئيس حكومة وحدة وطنية، وبالتالي لا يمكنه أن يستعمل خطاباً في الداخل يتماشى مع حال الانفراج السياسي الإقليمي، ثم يعود عنه في كل رحلة يقوم بها إلى الخارج.

عاد إلى منطق الاطمئنان لقرار المحكمة الدولية مهما كان، بل أضاف إن القوى الأمنيّة ستواجه كلّ مَن سيتمرّد على هذا القرار. أسئلة عدّة يطرحها هذا الموقف الجديد:

1 ـــــ هل هذا التصعيد الكلامي بالتنسيق مع العرّاب الإقليمي، أم تمرّد عليه كما عندما أطلق التشبيه بين الرئيس الأسد وصدام حسين في مقابلة لجريدة «كورتييه دال سييرا» ثم عاد وتراجع.

2 ـــــ هل هناك من «شبح» ما يصوغ له خطاباته عند السفر فيصبح «القارئ» غير «الشخص». عندها، هناك احتمالان خيرهما سيئ. إمّا أنه يقرأ من دون معرفة دلالات خطورة كلامه، وهذا لا يعفيه كرئيس حكومة، أو أنه يقرأ ويفقه، فيكون مسؤولاً عن تداعيات خطورة محتوى كلامه.

3 ـــــ هل صدفة أن يأتي كلامه عن المحكمة الدولية في الوقت نفسه الذي رفضت فيه الناطقة باسم المحكمة التعليق على ما يُهمَس، كما لم تُعلّق على ما نُشر في الـ«فيغارو» والـ«لوموند» و«ديرشبيغل».

4 ـــــ لماذا يضطر سعد الحريري إلى أن يحشر نفسه في موقف من قرار المحكمة قبل صدوره، وبلهجة تحدٍ، بدل أن يترك لنفسه هامش المناورة في ضوء ما سيصدر عنها؟

5 ـــــ كيف يشعر بأنه، بعد أقل من 48 ساعة من كلامه، صدرت مواقف واضحة للرئيس ميشال سليمان بعد الالتباس الذي لبسه في الماضي بالتشارك معه ومع بعض كارهي الوفاق.

6 ـــــ لماذا لا يسأل سعد الحريري عن عدم استدعاء المحكمة شهود الزور واتّباعها اليوم الأسلوب نفسه الذي اتّبعه ديتليف ميليس في ظرف اعتقال الضباط الأربعة؟ هل من محكمة عدل لا تحقق في خلفية شهود الزور؟ أليست «الحقيقة» هدفه؟

أسئلة عديدة على سعد الحريري الإجابة عنها لأنه ببساطة رئيس حكومة وحدة وطنية نتجت بعد مخاض عسير من المفروض أنه تعلّم منها ومن مآسي الماضي، وأن ناصحيه بالعنتريات المحلية يهمّشونه في موقع رئاسة الحكومة.
اليوم، سيكون للسيد حسن نصر الله كلام سيقوله في شأن المحكمة الدولية، وهو الوحيد الذي يعرف ماذا سيقول. ولكن واهم مَن يعتقد أن نصر الله وحزب الله سيمرّان مرور الكرام على معزوفة إلصاق تهمة ما بعماد مغنيّة لكونه في دار البقاء، لأن حزب الله أشرس في الدفاع عن مجاهديه وشهدائه منه في الهجوم على أعدائه. فسمعة المجاهد أو الشهيد وكرامته كسمعة الجميع وكرامتهم.

أخيراً، الاعتقاد بأن سوريا راضية عن مخرج كهذا لكونه يعفيها من الاتهام المباشر، لا يروّج له إلا مَن يجهل علاقتها بحلفائها، ومن يحلم بأن يفصلها عنهم جاهلاً أنهم أصبحوا شركاء المصير في الحياة والموت. سوريا أدرى بمثل «أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض».

لا بدّ من مدّ اليد إلى سعد الحريري حيث يُراد له أن يكون عرّاب وفاق مذهبي وطني يمتد إلى إقليمي، لا أن يُكاد له بغطاء يُرفع في لحظة ما. هل من غطاء؟

Script executed in 0.1730260848999