أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

العدو يتحدث عن أسباب الحرب، لكنه يصمت عما يحول دونها

الجمعة 09 نيسان , 2010 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,744 زائر

العدو يتحدث عن أسباب الحرب، لكنه يصمت عما يحول دونها

وأهمية التقرير انه يصدر عن كاتب معروف بقربه من رئيس الموساد الاسرائيلي، مائير داغان، بمعنى انه قريب من اصحاب القرار في كيان العدو، والكاتب لديه القدرة على "اشتمام" ما يفكر به المسؤولون الامنيون الاسرائيليون، وما لديهم من معطيات، كما انه، اي بيرغمان، احدى الادوات المستخدمة لنقل الرسائل المراد ارسالها، الى الطرف الاخر.

بحسب بيرغمان، فان "الشر سيأتي بالذات من الشمال"، وهذه الجملة هي مصطلح مستخدم في اللغة العبرية ويتداولها الاسرائيليون، وهي واردة في التوراة العبرية، بما يتعلق بـ"آخر الزمان"، اذ بحسب النبوءات اليهودية "ستواجه اسرائيل هجوما كاسحا من قبل الفرس (الايرانيين وحلفائهم)، يأتي على الدولة الاسرائيلية". واستخدام هذه النبوءة في الحديث عن الخطر من مواجهة مع حزب الله ومع سوريا، يحمل في طياته معاني خاصة، لجهة ما ينظر اليه الاسرائيليون لهذا الخطر ومستواه وتداعياته.

يحدد بيرغمان ثلاثة اسباب رئيسية، رأى انها كان بامكانها، وما زال ايضا، التسبب باشعال مواجهة في الشمال مع حزب الله وسوريا او مع احدهما بشكل منفرد. ويشير الى ان الجيش الاسرائيلي في اواخر شباط / فبراير الماضي، وخلال مناورة "احجار النار 12"، اوقف استدعاء الاحتياط للمشاركة فيها، خشية ان يفسر السوريون هذا الاستدعاء على انه مقدمة لهجوم عسكري ضد سوريا، الامر الذي قد يدفع دمشق الى شن هجوم وقائي على "اسرائيل".

في اطار "شرحه" للاسباب، يشير الكاتب الى احتمال ان تقدم "اسرائيل" على ضرب المنشآت النووية في ايران، الامر الذي يفضي الى مواجهة عسكرية مع لبنان وسوريا، برغم استدراكه لاحقا بقوله، ان هذا الاحتمال بعيد، لان من شأن انصياع رئيس الحكومة الاسرائيلية الى المطالب الاميركية عدم توجيه ضربة عسكرية الى ايران، سيكفل على المدى المنظور، ان لا يخرج هذا الخيار الى حيز التنفيذ.

السبب الثاني، بحسب بيرغمان، ان ينجح حزب الله في الرد على اغتيال القيادي في حزب الله، (الشهيد) عماد مغنية، من خلال عمل "عدائي" يسقط جراءه عدد كبير من الاسرائيليين، او ان يستهدف الحزب مسؤولا اسرائيليا رفيع المستوى، وهذا من شأنه ان يؤدي الى رد اسرائيلي مقابل، قد يفضي في نهاية المطاف الى مواجهة عسكرية، "سواء ضد حزب الله، او ضد لبنان".

السبب الثالث، هو مسألة تزويد حزب الله بالسلاح، مشيرا الى ان "الخشية هي ان تزود دمشق حزب الله باسلحة كاسرة للتوازن، الامر الذي يشكل تهديدا حقيقيا ضد اسرائيل". وفي هذا الاطار، اشار بيرغمان الى وجود خشية اميركية، من ان يغري هذا السلاح حزب الله لاستخدامه ضد اسرائيل، او ان يدفع نفس السلاح اسرائيل، لشن عمل عسكري وقائي ضد الحزب.

ينهي بيرغمان مقالته، دون اضافات، ودون اي استخلاصات. الا ان الهدف من المقالة كان واضحا جدا: توجيه تهديد غير مباشر، بعد صمت طويل من قبل المسؤولين الاسرائيليين، ضد حزب الله ولبنان وسوريا، من دون تحمل نتائج هذا التهديد، او تلقي تهديدات مقابلة، اثبتت في الفترة الماضية قدرتها على لجم الاسرائيلي، خاصة انها كانت تحمل في طياتها كشفا عن قدرات باتت لدى المقاومة، اسقطت كل الاستراتيجية الاسرائيلية العدائية، التي كانت تظن تل ابيب انها ناجعة في ردع حزب الله عن الاضرار بها، أو انها كانت ناجعة في ايجاد هامش مناورة واسع لدى الجيش الاسرائيلي: التهديد باستهداف البنية التحتية للبنان.

ما لم يقله بيرغمان، بعد ان عدّد "الاسباب" التي قد تدفع الى مواجهة عسكرية واسعة مع لبنان او مع سوريا، او كليهما معا، انه لم يعدّد الاسباب التي منعت الاعتداءات الاسرائيلية الى الان، على البلدين.. لم يُدلِ الكاتب بما لديه من معلومات، عن الاسباب التي تمنع تحويل الحافزية الاسرائيلية المرتفعة ضد حزب الله، تحديدا، الى عمل عدائي عسكري، واسع او محدود.

في الاسباب الكابحة للحافزية الاسرائيلية، والمانعة لاصل الاعتداءات على لبنان وسوريا، بل والحوادث الدالة عليها، يمكن الاشارة الى التالي:

كيف لتل ابيب ان تلغي استدعاء لاعداد من الاحتياط، في اطار مناورة مقررة مسبقا تستهدف رفع الاستعداد لدى هؤلاء، خشية ان تفهم دمشق بشكل خاطئ هذا الاستدعاء كمقدمة لعمل عدائي ضد سوريا.. أوليس في ذلك دلالة اضافية على الخشية الاسرائيلية من اصل المواجهة، او من كل ما من شأنه ان يفضي، بشكل متدحرج – الرد والرد المقابل.. الى مواجهة واسعة.. برغم ان اسرائيل تردد ليلا ونهارا، ان قدرتها الردعية مرتفعة حيال اعدائها، وتمنعهم من الاضرار بها؟

هي يمكن لتل ابيب ان تشن اعتداءً على لبنان او سوريا، في الوقت الذي يهدد الجانبان ويعلنان، ان لديهما القدرة والارادة والنية الفعلية للرد على الاعتداءات الاسرائيلية، وبشكل تناسبي معها؟.. وهي المعادلة التي باتت مترسخة في هذه الفترة اكثر من الفترات السابقة، بفعل القدرات غير المسبوقة التي باتت لدى المقاومة: نظرية تل ابيب مقابل نظرية الضاحية، اي دمار في البنى التحتية مقابل اي اعتداء على البنى التحتية للبنان.

هل استطاعت "اسرائيل"، من ناحية عملية، ان تتجاوز المصاعب العملياتية في حال قررت شن اعتداء من شأنه أن يؤدي الى مواجهة واسعة، او ان تبادر بشكل مباشر الى هذه المواجهة، برغم ادراكها انها قاصرة عمليا عن خوض حرب برية في لبنان، لادراكها اكثر من غيرها ان القدرات التي باتت لدى المقاومة لا تقاس بالقدرات التي كانت لديها عام 2006، والتي كانت كافية برغم تواضعها قياسا على الان، بإلحاق الهزيمة بالجيش الاسرائيلي البري؟

هل تستطيع "اسرائيل"، من ناحية واقعية، ان تكرر اخطاء حرب عام 2006 والرهان من جديد على سلاح الجو، برغم ادراك واعلان المسؤولين العسكريين في الكيان ان لا حرب يمكن الانتصار بها، وتكون محصورة في تفعيل الطائرات الحربية والقصف عن بعد؟

هذه الاسئلة، وغيرها، ما زالت بعيدة عن ايجاد اجوبة اسرائيلية عنها، والبعض منها لا يتوقع ان يجد الاسرائيلي حلا لها.. الامر الذي يدفع تل ابيب الى البحث عن بدائل غير عسكرية ضد المقاومة، بدأت بالفعل تظهر الى العلن في لبنان، من خلال اثارة ملفات التحريض والفتنة ضد حزب الله، في الساحة الداخلية اللبنانية.

تبقى الاشارة الى ان رسالة بيرغمان، ليست الا رسالة تهديدية غير مباشرة، في اطار حرب نفسية غير نموذجية، لكنها واضحة جدا كرسالة، وهذا الوضوح يفقدها الفاعلية المطلوبة لدى الطرف الاخر المخاطَب من قبل الاسرائيلي، من خلال هذه الرسائل او غيرها.

في الخلاصة، تدور "اسرائيل" في حلقة مفرغة حيال اعدائها، وتحديدا حيال قدرات حزب الله.. من ناحية لا تريد شن حرب لانها لا تقوى عليها، فهي غير قادرة على المراهنة على الحرب لتحقيق الاهداف، او ان تتحمل نتائجها والاثمان المقدر ان تدفعها، لكن تل ابيب في نفس الوقت الذي تدرك فيه محدودية خياراتها العسكرية، تريد ان تصل الى الردع في وجه اعدائها، او تعزيزه في حال وجوده، الامر الذي يستدعي منها ارسال التهديدات بين الحين والاخر، بشكل مباشر او غير مباشر، كما هو الدور الذي يؤديه بيرغمان وغيره.. لكن مشكلة "اسرائيل" ان اعداءها يدركون بالفعل حدود القدرة لديها، وهذا يصيب فيها مقتلا استراتيجيا بامتياز. 

Script executed in 0.19040513038635