أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بركان إيسلندا... دعوة للاعتبار !

الإثنين 19 نيسان , 2010 10:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,302 زائر

بركان إيسلندا... دعوة للاعتبار !

بركان إيسلندا كان قد غاب عن الذاكرة، بعد أن مر قرنان من الزمن على ثورته الأخيرة. تلك الثورة التي تواصلت لمدة عام كامل. 

كانت ثورة مهولة من حيث حجمها وطول أمدها. لكنها لم تكن يومها بمستوى الخطورة التي تطرح نفسها اليوم مع الثورة الحالية للبركان. 

لسبب بسيط جداً هو أن العالم، وحياة الناس في العالم قد أصبحت، في ظل الثورة الصناعية وما فوق الصناعية، وخلافاً للمعتقدات السائدة، أكثر ضعفاً وهشاشة مما كانت عليه عام 1821، يوم سجل بركان إيسلندا ثورته الأخيرة:

يومها لم تكن الطائرات، وسائر أخواتها المتحدرة عن التطور الباهر للتكنولوجيا، قد ظهرت بعد إلى الوجود حاملة على أجنحتها تغيرات كبرى في أنماط العيش البشري. 

لم يكن هنالك الملايين من الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل، وأصبحوا بلا حول ولا طول في المطارات، والذين تعطلت مشاريعهم المتشابكة عبر القارات، وتنغصت أسفارهم الترفيهية والسياحية... 

ولم تكن هنالك أزمة مالية آخر ما تحتاج إليه ضربة كتلك التي أصابت قطاع الطيران في أوروبا، وفي جميع الأنحاء التي تصل إليها الطائرات عبر أوروبا، وخصوصاً ما لا يحصى من قطاعات اقتصادية تتوقف حياتها على حركة الطيران.

16 ألفاً من أصل 22 ألف رحلة جوية ألغيت، يوم السبت الفائت وحده، في مطارات أغلب البلدان الأوروبية بسبب غيمة الغبار الهائلة المتصاعدة من بركان إيسلندا. وخلال اليومين اللذين سبقا السبت، ألغيت أعداد مماثلة من الرحلات. 

ومع بدء انتشار غيمة الغبار في سماء القسم الشمالي من أوروبا، توقع المتوقعون أن تزول السحابة في غضون 24 ساعة، وأن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي. لكن الساعات الـ 24 مرت، ثم تبعها عدد مماثل من الساعات، فيما واصلت السحابة توسعها نحو جنوب أوروبا لتبلغ شواطيء البحر المتوسط، معطلة عن الحركة معظم مطارات أوروبا، ومهددة بتعطيل المزيد من المطارات، وصولاً إلى شمال إفريقيا، وربما إلى غرب آسيا، وفق ما تشتهي الرياح. 

وعشية الأحد، كان قسم من المتوقعين يتوقع أن يستمر الوضع الخانق لمدة أربعة أيام أو خمسة. وبعضهم الآخر يتكلم عن أسابيع... وسط خوف لا يخفى من أن تكون ثورة البركان الحالية مماثلة لثورته قبل قرنين، أو حتى من أن تتجاوز حدود تلك الثورة. 

وبالطبع، وسط عجز كامل عن فعل أي شيء. فالقدرة، بفضل التكنولوجيا المتطورة، على إنزال المطر صناعياً من السماء، أو الثلج صناعياً لضمان نجاح مواسم التزلج، ليست متوفرة لمكافحة الغبار المتصاعد من بركان إيسلندا. 

ومع الرجاء والدعاء بأن تزول الغمة عن أوروبا والعالم، لا يسع المرء إلا أن يرجو ويدعو لعل الممسكين بدفة العالم، يراجعون حساباتهم وأنفسهم ويقرون بأن العالم لم يعد بمقدوره أن يستمر في الوجود في ظل كل هذا التطور الهائل للتكنولوجيا، وليدة الثورة الصناعية وما فوق الصناعية. 

لعلهم يضعون حداً لهوسهم الاستكباري ويلاحظون الحد الآخر، الفتاك، لسلاح العلم، ويتوقفون عن الإمعان في قيادة العالم، رغم الدروس البليغة المستفادة حتى الآن من الكارثة المناخية الناجمة بدورها عن الثورة الصناعية، وما فوق الصناعية، نحو المزيد والمزيد من الكارثة. 

وإذا كان هؤلاء، وكلهم قرأوا  ـ حتى الثمالة ـ أسطورة بروموثي، قد أعماهم البطر، ومنعهم  ـ فيما لو زالت غيوم الغبار البركاني من سماء أوروبا ـ من الاستفادة من درس بركان إيسلندا، فالرجاء والدعاء بأن يستفيد من الدرس أولئك اللاهثون وراء قطار الثورة الصناعية وما فوق الصناعية... ممن يختلفون عن الأوروبيين بكونهم يقرأون ما هو أشد بلاغة وفصاحة وتبياناً لكل شيء من أسطورة بروموثي، وبكونهم يعتقدون بأن في العالم، وفي ما فوق العالم، قوى أعود نفعاً وأشد جبروتا من التطور التكنولوجي ومن بركان إيسلندا. 

وبأن الفوز الحقيقي في الحياة بكل أبعادها موجود في مكان آخر غير هذا المكان الذي ظهر الفساد في بره وبحره وسمائه. 

وبأن ذلك الفوز مرهون بأنشطة وأنماط عيش متواضعة لكنها كلية القدرة على البقاء بعد أن نستفيق يوماً لنجد الطائرات والسيارات والمكانس الكهربائية والمكيفات وسائر أخواتها المتكاثرات ... درر هذه الحضارة المنهارة كالهيكل على رؤوس الجميع ... خاوية على عروشها، لسبب بسيط هو أن النفط وسليلته، الكهرباء، إلى نفاذ، ولو كان حجم المخزون منه أكبر من حجم الأرض التي تقله وتظله.

ولسبب بسيط آخر هو أن جميع البدائل عن النفط تشبه النفط كما يشبه الذئب الذئب... لأنها كلها منتجة للنار، ولأصناف من النار أدهى وأشد نكاية من الانحباس الحراري، في هذا الزمن الذي صار فيه الإنسان حبيس  الإنحباس "الناري". 

Script executed in 0.19328498840332