لبنان: 96171010310+     ديربورن: 13137751171+ | 13136996923+
7,888 مشاهدة
A+ A-

بسم الله الرحمن الرحيم 

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ

الى الحاج أبو علي أحمد سعيد

شهادةُ بشهادتين!

شهادة على الأرض تلبية لأمر السماء، وشهادة تصعد إلى السماء وعداً من الله، لأن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزَقون. لقد تلقينا بحزن نبأ الشهادة وتألمنا كثيراً لأن الفراق صعب ومؤلم وخاصة تأثيره على النفس في الغربة، وقتها يصبح الحزن حزين، حزن الغربة وحزن على فقدان الأحبة. قلوبنا معكم ومشاعرنا معكم، ولكن الذي يخفف آلامنا هو أن فقداءكم هم فقداؤنا الذين استشهدوا من أجل قيم عليا، وفي هذه الحال يصبح الموت حياة. لقد استشهدوا دفاعاً عن الأرض والعرض، والذي يموت دفاعاً عن أرضه وعرضه هو شهيد كما جاء في حديث رسول الإنسانية محمد بن عبد الله(ص).

 إنّ الشهادة هي تلبيةً لنداء السماء الذي لا تستطيع أيّ نفس مؤمنة أن تتجاهله لانه نداء الخالق الذي يريد استرداد هذه الروح الطاهرة التي لا تناسبها هذه الأرض لأنها مرحلة وتعبر، وﷲ جعل الشهداء رسلاً بدمائهم، فآلدم يتكلم عندما يكون مظلوماً. وهكذا يصبح دم الشهداء شهادة على الذين دنّسوا تراب أمتنا الشهيدة ، المذبوحة من الصديق قبل العدو.الشهادة هي أعلى القيم لأنّ "الجود بالنفس أقصى غاية الجود" كما يقول الشاعر. ولم تزل الإنسانية حتى اليوم تأخذ العبر من شهادة الشهيد الأعلى والأكبر الحسين بن علي (ع) الذي كان شهيدا وشاهدا على الأمة بما حملته شهادته من قدسية وكرامة " المنية ولا الدنية" و "مثلي لا يبايع مثله". في هاتين الكلمتين العاليتين لسيد الشهداء نقتبس معنى الكبرياء المؤمنة، حيث المنية أهون من الدنية "المذلة"، وحيث ممالأة الحاكم الظالم ومهادنة العدولا تجوز أبدا "مثلي لا يبايع مثله". لقد أحزن هذا الخبر قلبي واخذتني الايام الخوالي إلى تلك المدينة الجميلة ، مدينة بنت جبيل، عاصمتنا جميعا، عاصمة العصب والحزم ، التي لي فيها ذكريات الدراسة الثانوية والأصحاب والأسواق والمكتبات وملاعب الكرة والتي هي خزان من العلماء والمشايخ والشعراء والأدباء والأساتذة والأطباء والرياضيين وصانعي الأحذية والحلويات وكل شيء جميل .كانت بالنسبة لي آنذاك الصين ولكن بحجم اصغر. ولكن رغم الهجرة والسفر والحروب والاحتلالات ، بقي هناك القليل من اهلها متمسكين بارضهم رغم الصعاب والظروف القاسية، غابت عنها شخصيات مهمة بسبب ما ذكرت آنفا.

 ولكن لن تبخل يوما بتضحيات شبابها في سبيل الكرامة والعزة والشموخ، نعم هم كذلك سبّاقون في كلِّ شيء. وكيف لي أن أصف هؤلاء الشباب الذين كانوا قرابين الشهادة من اجلنا ، يعجز قلمي عن وصفهم واظهار محاسنهم وصفاتهم وشجاعتهم ونخوتهم.

 كيف لهذا الوالد المفجوع العزيز والصديق ابو علي أحمد  سعيد ان يتحمّل كل هذا ، فألاب علي كان هو بمثابة الابن المطيع والوفي والخدوم  لوالدي الحاج علي احمد "يارون" ، الذي كان يحبه كثيرا ، وكان دائما إذا اراد اي شيء من بنت جبيل ، او اصلاح اي عطل في بيتنا ، كان يقول وين ابو علي احمد ، خليه يأتي .. او هو يتصل به مباشرة ليأتي مسرعا ليرى ما يريد الحاج. لقد أمضى وقتا مع والدي اكثر مما أمضيت معه..

كان مخلصا خدوما مؤمنا، كذلك ابنه علي الذي تعرفت عليه في الصيف الماضي وكان يقوم بإمدادات الكهرباء في بيت الوالد من اجل ترميمه ، وكان يقول لي لا تهكل الهم هذا بيت الحاج وهو بيتنا أيضاً . حقاً نعم التربية والتواضع والاخلاق والايمان والنخوة. والولد الأصغر ابراهيم الذي قدم من استراليا لجلب زوجه شروق معه إلى بلاد الغربة لم يتسن لي اللقاء به ، ولكن من خلال صوره على شبكات التواصل كانت ضحكته وبشاشة وجههه تظهر مدى براءته ونبله وطيبة قلبه، ، فسيماهم في وجوههم.

وزوجه حمود شروق الجميلة ككلِّ صبايا عيناثا الجميلات ، التي أبت إلا ان ترافقه في رحلة العمر الأبديِّ. هناك حيث جنات النعيم والراحة الابدية والسلام بعيدا عن عذابات الارض وتجبر ساكنيها وتسلط جبابرة الأعداء على الإنسانية. كيف لي أن افصل بين آلامنا وآلامكم ، وكيف لي أن أفرّق بين يارون وبنت جبيل وعيناثا وبين قرى الجنوب الأخرى، فكلُّ منها تشكَّل صخرة صامدة بوجه عدونا الغاشم الذي يحتّل أرضنا ويتربص بنا ويهدِّد كياننا ويهجِّر اهلنا ويستبيح ارضنا ويلوث بيئتنا بسمومه القاتلة.

لا يلتئم جرحنا إلا ببلسمٍ جنوبيِّ نصنعه نحن وليس غيرنا. أمّا ام الشهداء علي وابراهيم الحاجة عفاف خميس والتي هي من ضيعتي الحبيبة فعظّمَ الله أجرك وواساك وأفاض الصبر السلوان  على قلبك وصبّرك ، قد كان لكِ أسوة حسنة بسيدتنا فاطمة (ع) وزينب بنت علي (ع) وأمهات الشهداء وعوائلهم، فليس هناك كلام يقال ليخفف الم فراق الاولاد عن أمهم وهم في ريعان شبابهم، وان كانت الدنيا لم تزفهما كعروسين ، ها قد زفتهم الملائكة كأحلى عرسين قد نوّرا الجنة بدخولهما.

ولا بدّ لنا من الترحم والشعور بالافتخار والاعتزاز لشهادة ابن " يارون " البار السعيد الحاج علي حرب أبو حسين الذي سقط شهيدا بالأمس على طريق الحقِّ.

في بلادنا نفسّر الحياة بالجنوب، نعم لأنّه دائما يؤّشِّر الى القبلتين معا. ويتّجه إليهما حيث الكعبة الشريفة وحيث المسجدُ الأقصى الذي باركنا حوله. مخطئ من يظن الجنوب جغرافية، الجنوب موقف وأصالة وانتماء وتضحية وشهادة. رحم الله الفقيدين علي وابراهيم وزوجه شروق وباقي الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن ارضنا وشرف الامة وجعل الله منزلتهم في أعلى عليين. الفاتحة لارواحهم الطاهرة الّتي ستبقى تحلّق في سماء الجنوب حتى موعد اللقاء .

"الشهادة تمضي وذوو الشهيد يسيرون خلفها كالليوث الضاربة حتى نيل إحدى الحُسنيين"

 د.حسن فرحات


تغطية مباشرة آخر الأخبار

  • "المعلومات" توقف مطلقَي رسالة مفبركة لإخلاء مبنى في الطريق الجديدة تتمة...
  • باسيل: الدم الذي سقط لحماية لبنان يجب ان يجمعنا كمسيحيين وكمسلمين تتمة...
  • وزير الصحة استقبل وزير الخارجية الفرنسي في المطار وتسلم هبة مساعدات تبلغ زنتها 11 طنا ونصف طن لعلاجات الطوارئ. تتمة...
  • أي بي سي عن مسؤولين إسرائيليين: الحملة العسكرية الإسرائيلية في لبنان لا يزال أمامها بعض الوقت لتنتهي