بقلم الدكتور قاسم محمد دنش
كثير منا من يتابعون بعدد ساعات النهار سعر صرف الدولار الأميركي في السوق المالي، وذلك لإرتباط هذا السعر على مختلف الحاجات والسلع وربما الخدمات أيضاً. كُثر منا من كانوا يملكون الكثير الكثير من الأموال والأملاك وباتوا لا يملكون شيئا. كثر من الدول التي تملك وتصنع وتبتكر، لكنهم لا يملكون رأفة قوة الدولار، فباتوا بحكم من لا يملكون.
حكاية سلطة أو سطوة الدولار حديث ومحور وأكثر للكثير من الأفراد والدول والجماعات. فإذا ما كان أحد أي أحد يملك هذه العملة فهو يملك من النفوذ بقدرها ومن الشأن والسلطة بحجم ما يملك منها.
هذه القوة التي تُستمد من النفوذ العسكري والسياسي العالمي للولايات المتحدة الأميركية والتي لا تعتمد على أي نوع من أنواع الدعم للنقد كالذهب والفضة وما شابه. هذه القوة سمحت للرئيس الأميركي دونالد ترامب في أواخر آذار 2020 بزيادة المخصصات لمواجهة انتشار فيروس كورونا لتصبح 6.3 تريليون دولار لتكون اكبر مساندة مالية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. واللافت هنا، والذي لا يشبه أي واقعٍ في العالم، أنّ كلفة الـ 6.3 ترليون دولار على الخزينة الأميركية تساوي كلفة الورق والحبر لطباعة هذه الأموال فقط.
ولكن اليوم، ومع نمو المارد الإقتصادي الصيني وتغير واقع التدخلات العسكرية العالمية في العديد من الدول من جورجيا إلى سوريا فليبيا وربما اليونان بعد حين، ما هو مصير تلك القوة التي قد تعجز أهم الصواريخ والأسلحة الحديثة عن موازاة أذيتها؟
في خطابة أمام مؤتمر محافظي البنوك المركزية في 23 أغسطس/آب الماضي دعا مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا المركزي، إلى التخلص من الاعتماد على الدولار وتوحيد جهود البنوك المركزية لإيجاد عملة احتياطية بديلة. وأشار إلى أنه "مع إعادة تنظيم الاقتصاد العالمي، لا تزال أهمية الدولار الأمريكي مثلما كانت في الفترة حين انهار نظام بريتون وودز" - أي فك الارتباط بين الدولار والذهب في السبعينيات من القرن الماضي.
يمكن القول إذًا، إن تدهور مكانة العملة الأمريكية هو أمر شبه مؤكد مع تدهور القوة الاقتصادية والتجارية النسبية لأمريكا عالميا، إضافةً لتراجع النفوذ العسكري في العديد من البلدان، لكن دون أن ننسى أنها ما زالت أكبر قوة عالمية حتى اللحظة الراهنة.
اليوم، وخصوصاً بعد جائحة كورونا، ومع تحول شكل الإقتصاد والأعمال العالمية إلى طرق تعتمد على العمل والتعلم وحتى الصناعة والري وما شابه عن بعد إلى حدٍ كبير، فكيف ستتأثر المعاملات النقدية التي غالباً ما أصبحت عبر الشبكة العنكبوتية الإنترنت؟ فهل أمام هول هذا المشهد، سترقى الأسواق المالية لتستبدل الدولار وما يُمثل بالعملات الرقمية وما تُمثل؟
العملة الإلكترونية أو الرقمية أو نقود إلكترونية تشير إلى المال أو العملة التي تتبادل فقط إلكترونيا. عمليا يتضمن ذلك شبكات حواسيب، الإنترنت وبرامج تخزين معلومات إلكترونية. تشمل العملة الإلكترونية حوالات الأموال الالكترونية والدفع المباشر. كذلك فهي تعبير جامع للتعمية الاقتصادية والتقنية التابعة لها.
بيتكوين Bitcoin، العملة الإلكترونية الأكثر شهرة، هي عملة معماة ونظام دفع عالمي يمكن مقارنتها بالعملات الأخرى مثل الدولار أو اليورو، لكن مع عدة فوارق أساسية، من أبرزها أن هذه العملة هي عملة إلكترونية بشكل كامل تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها. وهي أول عملة رقمية لامركزية - فهي نظام يعمل دون مستودع مركزي أو مدير واحد، أي أنها تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها. وتتم المعاملات بشبكة الند للند بين المستخدمين مباشرة دون وسيط من خلال استخدام التشفير. يتم التحقق من هذه المعاملات عن طريق عُقد الشبكة وتسجيلها في دفتر حسابات موزع عام يسمى سلسلة الكتل. اخترع البيتكوين شخص غير معروف أو مجموعة من الناس عرف باسم ساتوشي ناكاموتو وأُصدِر كبرنامج مفتوح المصدر في عام 2009.
أمام مغريات العملة الإلكترونية وطبيعة العمل الذي اعتمد في ظل جائحة كورونا، وأمام تراجع النفوذ الأميركي العسكري في العالم، وأمام اقتصاد جبار -الصيني- يغزو العالم أجمع، سنرى كيف أنّ النفوذ المالي للدولار سيتراجع شيئاً فشيئا ليستسلم للمارد الإلكتروني القادم.
النفوذ العالمي ينحسر بثلاث: قوة العسكر والنقد والبيانات. وحيث كانت الولايات المتحدة الأميركية تمتلك القوى الثلاث، ها هي اليوم تتراجع في الأولى وتفعل المستحيل من أجل ابطاء تراجع القوة الثانية مسلمةً أنها ستخسرها، وأما الثالثة فما ان تدخل شبكات الجيل الخامس الصينية للسوق العالمية حتى تقول لمراكز البيانات العالمية والأميركية بشكل خاص سلاما سلام.
خاصية الإنترنت والإنفتاح الإلكتروني العالمي ومع ما رافقه وسيرافقه من صراع تجاري وإلكتروني صيني-أميركي، فإنّ للدولار في أيام نفوذه الأخيرة أمام القادم الإلكتروني.
د.قاسم دنش
تغطية مباشرة
-
أكسيوس عن مسؤول أمريكي: لا موعد لزيارة هوكشتاين إلى بيروت ولن يسافر إلى هناك إلا بعد التأكد من التوصل لاتفاق
-
وسائل إعلام إسرائيلية: مقتل جندي إسرائيلي خلال المعارك في جنوب لبنان.
-
قمر جديد تزفه مدينة بنت جبيل.. حسين علي عباس وهو من سكان بيروت تتمة...
-
الراعي: الحل يكون بالمفاوضات السياسية وليس بالإنتصار أو بالإنكسار ولا يجوز تغيير قائد الجيش في هذه الظروف التي نعيشها اليوم تتمة...