تحت عنوان "انفجار المرفأ بتر ساق متطوّع والدفاع المدني لا يعلم به.. عبد صار معوّقاً يتسوّل كرسيّاً متحرّكاً ولقمة عيش" كتبت نبيلة غصين في "المفكرة القانونية":
يجلس عبد الرحمن بشناتي ( 46 عاماً) في مركز الدفاع المدني في منطقة الباشورة، يمدّ رجله المبتورة على وسادةٍ طريةٍ موضوعة على الطاولة أمامه. بقربه يجلس اثنان من رفاق دربه المتطوّعين اللذان ومثلهما كثر، أخذا على عاتقهما قرار مساعدة زميلهما بعد إصابته خلال انفجار بيروت، والوقوف إلى جانبه “طول العمر” على حدّ قولهما.
بين الفقر والإهمال وعدم وجود أمانٍ صحّي للمتطوّعين بُترت ساق عبد
أطفأ عبد في الرابع من آب ماكينة القهوة وعصّارة الليمون التي يعتاش منهما، وكمتطوع في الدفاع المدني، هرع إلى المركز كعادته عند وقوع حوادث. سمع أنّ الدّخان المتصاعد من المرفأ كبير جداً، وما إن وصل إلى مدخل مركز الدفاع المدني في الباشورة حتى وقع الانفجار فتطايرت شظايا الزجاج وأصيب عبد في رجله ما استدعى نقله إلى المستشفى. لم تكن إصابة عبد بليغة على حد قول زملائه، تم تقطيب جرحه وعاد إلى المركز، لم يلتئم جرح عبد مع مرور الوقت بسبب إصابته بداء السكري، وبدأت التقرّحات والنتوءات تتّسع وتكبر، وراح اللون الأزرق يغزو رجله. عندها قصد المستشفى الميداني التابع لدولة المغرب حيث أفاد الأطباء هناك بضرورة بتر ساقه الملتهبة، فنقل عبد إلى مستشفى رفيق الحريري حيث قضي الأمر وبترت ساقه ليتحوّل بين ليلة وضحاها من الأشخاص ذوي الإعاقة.
لم يشعر متطوّعو الدفاع المدني يوماً أنّ هناك من يحميهم ويقف سنداً لهم، لا في المديرية العامة للدفاع المدني ولا في مؤسّسات الدولة كافّة، فلو أحسّ عبد المتطوّع أنّه محصّن طبّياً ومعنويّاً لما خرج من المستشفى. لذلك يشعر عبد وجميع رفاقه أنّهم متروكون، وحيدون وأنّهم يخوضون مع كل حريقٍ معركةً وهم يعرفون أنّه في حال إصابتهم لن يجدوا من يعيل أطفالهم. وفي المقابل يعلم جميع المعنيين تماماً مدى حماسة وحب المتطوّعين لعملهم لذلك يتلكأون في مساعي ثتبيتهم، فلماذا يكلّفون الخزينة أموالاً يستطيعون توفيرها؟
أب لثلاث بنات لا يستطيع الذهاب لرؤيتهنّ
تطوّع عبد في الدفاع المدني وفي هو في الخامسة والعشرين من العمر، وكان يذهب إلى عمله في الصباح ويعود ليخدم في المركز ليلاً. طوال 22 عاماً أنقذ حياة وممتلكات الكثيرين، وعند بلوغه الثلاثين تزوّج وأنجب ثلاث بنات، بعدها انفصل عن زوجته، وبقيت البنات اللواتي لا تتجاوز أكبرهنّ العاشرة من عمرها، في عهدته وبعد زواج طليقته، أدخل البنات إلى دار الأيتام لعدم وجود من يرعاهنّ. وكان عبد يعمل طيلة النهار على عربة لبيع قهوة ساعده أصدقاؤه في دفع تكاليفها وينام في المركز، أما بناته فكان يراهنّ في أيام العطلة. ولاحقاً استأجر مع أخته المطلّقة رجاء بشناتي (63 عاماً) شقة صغيرة كي ترعى البنات خلال العطل الأسبوعية والصيفية.
تروي العمّة رجاء التي تعمل في تنظيف المنازل وتعاني من إعاقةٍ حركية بسبب استئصال أمعائها الداخلية، أنّها في البداية أخفت عن الفتيات وضع عبد الحالي، لكن البنت الكبرى دخلت خلسةً إلى خانة الصور في هاتف عمّتها ورأت صور والدها مبتور السّاق. حزنت الفتيات جداً على حالة والدهنّ الصحية “ثلاثة أيام والبنات عم يبكوا” تقول العمّة وبدأن يزرنه في المركز. لاحقاً انتقلت العمّة إلى منزلٍ جديد في الطابق الأرضي كي يسهل على عبد ارتياده.
مع انتشار جائحة كورونا وإقفال دار الأيتام، أصبحت الفتيات يعشن بشكل دائم مع العمّة التي تحاول قدر المستطاع تلبية طلباتهنّ وتقول “بحاول جبلهم كل شي بحبّوه، بس أوقات كثيرة ما بقدر لبّيهن”، وغالباً ما تطلب الفتيات من عمتهنّ شراء ألعاب تساعدهنّ على تمضية وقت مكوثهنّ الطويل في المنزل، بخاصة عندما تضطر العمّة لتركهنّ للذهاب إلى عملها. تحبّ الابنة الصغرى البوظة وتطلبها يومياً من عمّتها إلاّ أنّه ليس بمقدور الأخيرة شراءها كل يوم. وتساعد البنات عمّتهنّ المريضة في الأعمال المنزلية، فينشرن معها الغسيل ويحاولن مسح الأرض وكنسها إلاّ أنّ رجاء لا تقبل بذلك دائماً. وفيما تفضّل الفتيات البقاء في المنزل مع عمتهنّ على الذهاب إلى دار الأيتام ، تحزن الأخيرة لأجلهنّ بخاصة وأنهنّ لا يرين والدتهنّ كثيراً واليوم لن يتمكنّ من رؤية والدهن كثيراً كما في السابق بحكم ظرفه الصحي الجديد.
المديرية العامة للدفاع المدني لا تعلم بجرحاها
اليوم اتّخذ عبد من مركز الدفاع المدني مقرّاً دائماً لإقامته، بحيث قام المتطوّعون في المركز بشراء سريرٍ مريحٍ له، كذلك عملوا على فتح صندوقٍ باسمه لجمع التبرّعات وسدّ معظم احتياجاته خصوصاً بعد أن سُرقت آلة صنع القهوة من ناصية الطريق حيث كان يركنها بعيد وقوع الانفجار. يعلم المتطوّعون أنهم في ظلّ عدم تحصيلهم أيّاً من حقوقهم، ليس لديهم سوى بعضهم البعض. فيقول أحد المتطوّعين “نحن واجبنا في الدفاع المدني مساعدة الناس، ونحن نساعد الغرباء فكيف إذا كان هذا الشخص هو رفيق دربنا منذ 19 عاماً منخدمه بعيونا”.
الألفة والمحبة اللتان يتعامل بهما المتطوّعون والعناصر فيما بينهم، لا يجدونهما في علاقتهم مع مديريّتهم التي لم تكن تعلم بإصابة متطوّع في صفوفها بانفجار المرفأ قبل سؤال “المفكرة القانونية” عن مصيره وكيفية التعامل معه. وهنا لا بدّ من طرح سؤال عمّا إذا كان المدير العامّ للمديرية العامّة للدفاع المدني قد تفقّد عناصر مديريته في مركز الباشورة أو حتى سأل عن الأضرار المادية كونه (أي المركز) قريباً من مكان الانفجار، أو لعلّه علم بإصابة عبد ولم يحرّك ساكناً. على الخط نفسه، لم يقم لا مدير مركز الباشورة ولا أحد من العناصر بإبلاغ الإدارة في المديرية العامّة عن حالة عبد لأنهم، وبحسب قولهم، يعلمون بأنّ المديرية لن تكترث وأنّه في الأصل لا حقوق لهم، ففضّلوا طريق التكافل الاجتماعي فيما بينهم على مضيعة الوقت في التوسّل إلى المديرية لتقديم المساعدة.
لقراءة المقال كاملاً من المصدر: https://legal-agenda.com/%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AC%D8%A7%D8%B1-
تغطية مباشرة
-
الجيش يوقف 3 مواطنين في منطقة خلدة لترويجهم عملات مزورة! تتمة...
-
الدفاع المدني: انتشال جثامين 3 شهداء من حي الجلاحية في الخيام
-
بدء اجتماع لجنة تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي
-
إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية: خطوط الطيران الأمريكية توقف رحلاتها على مستوى البلاد إثر مشكلة تقنية