تحت عنوان "وليد فياض: نعاني من حصار دوليّ وشلل مصرفيّ" كتب ماهر سلامة في الأخبار:
وزير الطاقة وليد فياض صريح. يرى أنّنا محكومين بتفاهمات دولية على أسواق النفط. وهذا الأمر ليس مستجداً، إذ لمسناه عندما قرّر البنك الدولي ربط تمويل استيراد الغاز من مصر واستجرار الكهرباء من الأردن بـ«جو سياسي مؤاتٍ»، كما أنّ المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان عاموس هوكشتين طلب فحص أي شركة ستشارك في الحفر بحثاً عن الغاز. ولبنان محكوم بشركة «توتال»، لذا يجب توسيع التنافسية واستقطاب الشركات الأصغر. أما الآن، فنحن محاصرون دولياً ونعاني من شلل مصرفيّ، وكارتيل النفط والمصرف المركزي يمارسان سطوة كبيرة على استيراد المحروقات... في ما يأتي نصّ المقابلة
كان الجهد مركّزاً قبل الأزمة على الاستثمار في الطاقة الإنتاجية، أما بعد الأزمة فقد بات صعباً أن نشغّل المعامل القائمة بالقدرة الإنتاجية القصوى. كيف تفسّر هذا الانحدار؟أنجزنا خطّة تطوير قطاع الطاقة وفيها زيادة التغذية بالتيار الكهربائي في المرحلة الأولى، والاستثمارات في إنتاج الطاقة في المرحلة الثانية، ومعها ما يلزم من التحسينات لأداء الشبكة وتقليص الهدر الفني وغير الفني، وتشريعات مواكبة. وأولى الخطوات أن تتم الاستفادة القصوى من الاستثمارات القائمة والقدرات الموجودة التي لا تحتاج إلى «دولارات جديدة»، أي إنتاج الكهرباء بالكمية التي تقدر أن تُنتجها البنى التحتية الموجودة. هناك عقبات تواجه أي استثمار جديد وأهمّها التمويل. تبيّن أن كلفة التمويل باهظة لأسباب مختلفة:
- هناك حصار دولي على تمويل المشاريع الكبرى في لبنان، سواء مشاريع السدود التي أوقف تمويلها مثل سدّ بسري، أو مشاريع الطاقة البديلة (مثل مشروع مزارع طاقة الرياح بكلفة 400 مليون دولار لإنتاج 280 ميغاواط كحدّ أقصى) التي قالوا أنهم سيموّلوها. توقف التمويل من مؤسّسة التمويل الدولية، وبنك الاستثمار الأوروبي اللتان تعملان بشكل متلاصق مع البنك الدولي في العادة، بذريعة تخلّف الحكومة عن سداد ديون اليوروبوندز، والآن يُطلب من لبنان لائحة طويلة من «الإصلاحات» لاستئناف هذا التمويل. التمويل الخارجي بات مقطّراً ومحصوراً بالمساعدة على شراء الفيول وتأمين شبكات المياه. مصدر التمويل هو المنظمات الغربية وإطاره وجود النازحين السوريين في لبنان وزيادة القدرة المحلية على احتواء وجودهم.
- هناك شلل مصرفي تام، إن كان من جهة مصرف لبنان أو وزارة المالية أو الحكومة أو مجلس النواب. ماذا فعلوا في هذا السياق غير إصدار مصرف لبنان تعاميم خارج أي خطّة أو رؤية. حالياً لا توجد خطوات في اتجاه إعادة القطاع المصرفي إلى العمل. المشهد يتلخّص بأن المصارف ومصرف لبنان غائبين تماماً عن أي تمويل للاقتصاد. لم تحصل أي إصلاحات للقطاع المالي، علماً أن ما يحتاجه القطاع واضح جداً؛ يجب أن تحاسب المصارف على جزء كبير من الخسارة التي حصلت، على الأقل بقدر استفادتها من كلفة الدين الباهظة التي أخذتها من الدولة، وهي تتحمّل المسؤولية مباشرة أمام المودعين، إذ لم يجبرها أحد على وضع أموالها لدى مصرف لبنان والدولة، وبالتالي من الطبيعي أن يُطلب منها إعادة الرسملة لردّ جزء من أموال المودعين على الأقل، وإذا رفضت، يجب أن تعلن إفلاسها ويعمل على استقدام مصارف أخرى لتحلّ محلّها في تمويل الاقتصاد المحلّي.
في ظل هذه الظروف، وما بين فشل تشغيل المعامل بواسطة الغاز من مصر واستجرار الكهرباء من الأردن، لم يبق سوى الاتفاق مع العراق. ما هو المطلوب اليوم لتشغيل المعامل بالقدرة الإنتاجية القصوى؟
العقدة تكمن في تأمين الفيول للتشغيل. تبيّن لنا أن أرخص مصادر الطاقة هو الغاز المصري، وبعده الكهرباء الأردنية، والاثنان يبقيان أفضل من إنتاج الطاقة عبر معاملنا في دير عمار والزهراني اللذين يعملان على الغاز أويل ويؤمّنا الكهرباء بسعر يُراوح بين 14 سنتاً و15 سنتاً للكيلواط ساعة، بينما الاستيراد من الأردن كانت كلفته 11 سنتاً للكيلواط ساعة، والغاز المصري كان سيعطينا كهرباء بنحو 7 سنتات للكيلواط ساعة. القدرة الإنتاجية للمعامل التي تتمتع بكفاءة، أي دير عمار والزهراني والذوق والجية، تصل إلى 1200 ميغاواط أو ما يُراوح بين 10 ساعات و12 ساعة كهرباء يومياً، وكان يمكن الحصول على ساعتَي كهرباء من الأردن ليُصبح إجمالي التغذية 14 ساعة كهرباء يومياً. وكانت الفكرة أنه يمكن خلال أشهر بلوغ هذا الهدف، لكن حالت أسباب دون ذلك. فحاجتنا الشهرية إلى تشغيل المعامل وتأمين 12 ساعة كهرباء تصل إلى 140 مليون دولار، يموّل منها نحو 40 مليون دولار بواسطة عقد الفيول العراقي ويبقى 100 مليون دولار تحتاج إلى تمويل من الداخل. وعلى هذا الأساس كانت الخطة أن زيادة التعرفة وبدء الجباية لتأمين السيولة في المدة الفاصلة بينهما (5 أشهر أو 6 أشهر)، أي هناك حاجة لتأمين كلفة هذه الأشهر الستة المقدرة بنحو 600 مليون دولار، إلا أنه حتى اليوم لم يتوافر لنا سوى سلفة خزينة بنصف المبلغ (300 مليون دولار)، ومنها توافر الثلثين فقط، أي 200 مليون دولار.
الجباية بالليرة، أما كلفة استيراد الفيول فتحتاج إلى دولارات. من أين سنأتي بالعملة الأجنبية لتمويل واردات وقود تشغيل المعامل؟
الدولارات موجودة. فالتغذية بالكهرباء تتم الآن عبر استيراد المازوت للمولدات الخاصّة، وهي كهرباء مرتفعة الكلفة ومموّلة بدولارات تخرج من البلد. في الواقع، هذه النتيجة سببها التقييم الخاطئ للأولويات في هذا القطاع. هناك دور مهم لوزارة المال والمصرف المركزي للتوجيه الأفضل في هذا الموضوع، لأننا نعلم أنه سيوفّر دولارات على الميزان التجاري اللبناني.
نرى هذه الفرصة ضائعة، إذ إن كهرباء لبنان تُكلّف المستهلك نحو 27 سنتاً للكيلواط ساعة، وفي المقابل تتجاوز كلفة المولد الخاص الـ50 سنتاً للكيلواط ساعة. عملياً، مع كل كيلواط ساعة تنتجه كهرباء لبنان، هناك وفر بنحو 20 سنتاً مقارنة مع المولدات الخاصة التي تنتج نحو 6 مليارات كيلواط ساعة سنوياً يمكن استبدالها من كهرباء لبنان شرط تشغيل المعامل بأقصى طاقتها، وهذا الأمر سيوفّر على الميزان التجاري نحو 1.2 مليار دولار سنوياً. أصلاً حققنا وفراً في الاستهلاك بعد رفع الدعم عن الكهرباء وعن المحروقات، إذ أدّى إلى انخفاض الطلب الاستهلاكي من 14 مليار كيلواط ساعة إلى 10 مليارات كيلواط ساعة، أي ما نسبته 28%، كما انخفض استيراد المحروقات من 8 ملايين طن سنوياً إلى نحو 5 ملايين طن. الناس اعتادت على سعر البنزين المرتفع وهو ما دفعهم إلى خفض استهلاكهم بنسبة تُراوح بين 10% و15%. قيمة الوفر الإجمالي المحقّق بنتيجة رفع الدعم تبلغ مليارَي دولار. هذه خطوات إصلاحية ضرورية مفيدة للاقتصاد على المدى الطويل، ويسمح بزيادة تنافسيّته. ومع رفع الدعم وتعرفة الكهرباء، صارت كلفة الكهرباء من المولدات ومن كهرباء لبنان مرتفعة مقارنة مع كلفة تركيب نظام طاقة شمسية. كلفة تركيب كل كيلواط واحد طاقة شمسية تبلغ 750 دولاراً، لتأمين نحو 1500 كيلواط ساعة في السنة، بمعنى أنه في السنة الأولى يكلّف الكيلواط ساعة الواحد نصف دولار، وفي الفترة التالية يصبح مجانياً. هكذا بات لدينا إنتاج كهرباء من الطاقة الشمسية في لبنان بنحو 1200 ميغاواط تمثّل 1.5 مليار كيلواط ساعة، أي 15% من الطلب الاستهلاكي على الكهرباء، علماً أن الكهرباء المائية تُمثّل نحو 5% من الطلب، لذا لدينا 20% من الطلب مؤمّناً من الطاقة المتجددة.
بين وقف الدعم ورفع التعرفة، أصبحت الكهرباء متوافرة لمن يملك قدرة استثمارية على شراء نظام الطاقة الشمسية، وهذا ميّز بين طبقات المجتمع، كيف يقدّم ذلك على أنه إنجاز؟
الدولة مُقصرة بحقّ ذوي الدخل المحدود. العمال والموظفون لا يستفيدون من خدمات الدولة إلا بشكل قليل، بعكس الطبقة الميسورة التي تستفيد أكثر بكثير ربطاً بأن لديها قدرة أعلى على الوصول إلى موارد الدولة. فعلى سبيل المثال من لديهم وكالات حصرية استفادوا، ومستوردو النفط وغيرهم استفادوا أيضاً من موارد الدولة. كانوا يقترضون من المصارف بينما المودعون هم من تضرروا. استفادت الطبقة الميسورة من دعم الكهرباء والغذاء والطبابة وغيرها، لأن حصّتها من الاستهلاك مرتفعة أكثر. سياسة الدعم العشوائي، أفقرت الطبقة المحتاجة. واليوم، عندما كانت الدولة قادرة على حماية هؤلاء لم تحمِهم، واليوم لم تعد الدولة تملك شيئاً. نحن نطمح إلى أن يصبح لدينا دولة قادرة على حماية الطبقات الفقيرة. لنأخذ مثلاً تعرفة الكهرباء الجديدة، إذ إن الشطر الأوّل من الاستهلاك الأقلّ كلفة، يستفيد منه ذوي الاستهلاك المنخفض العائد إلى الطبقات الفقيرة. لكن هذا لا يكفي. فمثلاً عند رفع الدعم عن المحروقات، يجب في المقابل تأمين نقل عام. لماذا لا يذهب جزء من الإيرادات التي تتلقاها الدولة إلى النقل العام؟ هذا سؤال مشروع.
أعطيت مستوردي النفط حقوقاً كاملة في تسعير بيع المحروقات، فهل حاولت تعديل بنود جدول تركيب الأسعار لتتناسب مع واقع حماية الطبقات الأفقر؟
في جدول تركيب الأسعار، الفرق بين الآن والسابق، أننا وضعنا آلية أكثر شفافية. هل هذا أفضل ما يمكن فعله؟ قطاع المحروقات يمكن أن يكون قطاعاً مفتوحاً للجميع بحيث يكون هناك تنافس حقيقي بين المستوردين، والبيع يُصبح بأفضل سعر. الآن ليس هناك تنافس بينهم، والمستوردون لا يسعون إلى التنافس. نحن نحدّد سقف الأسعار لكن لا أحد يبيع تحت هذا السقف للمستهلك، بينما مَن يستفيد هم التجّار، إذ يبيع المستورد للشركات الوسيطة بأسعار أقلّ لا تنعكس عند المستهلك النهائي. لا يوجد تنافسية، بل هناك كارتيل للنفط يلعب دوراً في محاصرة منشآت النفط. وفي هذا السياق، لعب المصرف المركزي دوراً سلبياً، لأنه ساعد الشركات المستوردة ولم يساعد المنشآت النفطية. حصلت الشركات المستوردة على معاملة خاصّة، وأسهم المصرف المركزي في إضعاف منشآت النفط.
هل جدول تركيب الأسعار يتبع معايير عالمية؟
الحديث الأساسي لا يجب أن يكون عن سعر البنزين، بل عن تطبيق حلّ جذري لموضوع النقل العام. يجب أن تفرض الدولة رسماً على البنزين وتستعمل إيراداته لتمويل النقل العام.
توتال حفرت بئرين للاستكشاف في الرقعتين 4 و9. لكن لا نرى عجلة لديها لحفر المزيد. هل تعتقد أن لبنان بات محكوماً بهذه الشركة عبر ثغرات في العقد؟
اتفاقية التنقيب والإنتاج فيها إلزامية للشركة المُتعاقد معها. هناك مرحلتان للتنقيب، وكل واحدة تمتد على 3 سنوات. في المرحلة الأولى هم مجبورون أن يحفروا بئراً واحدة، وإذا رفضوا حفر بئر ثانية في المرحلة الثانية فيتنازلون عن حقهم بالاستكشاف في هذا البلوك، كما حدث في البلوك رقم 4. إنما في البلوك 9، لم تتنازل توتال عن حقها بالاستكشاف والعقد يحدّد أيار 2025 لنهاية المرحلة الأولى. لكن أنا أريد أن أعرف منهم قبل انقضاء المهلة إذا كانت لديهم النية لاستكمال الحفر في المرحلة الثانية أو لا، لنعرف كيف يجب أن نتوجه.
الواقع يقول إن توتال هي الشركة الوحيدة الموجودة، ما يعني أننا بالفعل محكومون بهم. كان البحث عن شركاء آخرين صعباً، إذ إن واحداً من الشروط التي حدّدت أن يكون لدى الشركة الرائدة في المشروع أصولاً تفوق 10 مليارات دولار، وأصول الشركاء الآخرين يجب أن تتجاوز المليار دولار. هذا ما أقصى عدداً كبيراً من الشركات التي يُحتمل أن تشارك. من ناحية أخرى، سياسياً، لا يوجد هناك شركات من الشرق تبدي اهتماماً في الاستثمار. تواصلنا مع «بتروناس» الماليزية ولم تكن مهتمة بالمشاركة في حقولنا. ومن الغرب لا يتقدّم أحد غير الشركات التي أتت وهي «توتال» و«إيني» الإيطالية وقطر، وهم ثلاث يصنّفون من العشرة الكبار ويمثلون جزءاً كبيراً من سوق الشركات الكبرى.
يجب أن نخفض شروط المشاركة ليصبح لدينا اهتمام من الشركات الأصغر. وحتى في تلك الحالة يجب أن نرى ما إذا كان سيكون هناك ممانعة سياسية لدخول شركات أخرى إلى الخط.
هل تعتقد أن هناك تفاهمات دولية على تقاسم أسواق الحفر والإنتاج تحكم عمل هذه الشركات؟
لا أستبعد أن يكون هناك تفاهمات. فهذه العقود تأتي عادة، في إطار تركيبة سياسية اقتصادية للبلد، ووجود الشركات في مناطق معينة، يحكم وجودها في مناطق أخرى في المستقبل، لذلك هناك اعتبارات عدّة. وهذا الأمر يؤثّر على القرارات. عندما التقينا مع هوكشتين، كان واضحاً أن هناك شركات يجب أن يقوموا هم بفحصها قبل أن يشاركوا.
بالنسبة إلى البلوكين 8 و10 فقد أصبحنا الآن في دورة التراخيص الثالثة. عرض «توتال» لم يكن ملائماً لقرار مجلس الوزراء الذي يطلب من الشركة تقصير مهل المسح البياني في البلوك 8 ومهل الحفر في البلوك 10. علماً أن البلوك 10 يعدّ حقلاً واعداً بالنسبة إلى البترول السائل، إضافة إلى الغاز أيضاً. في هذين البلوكين، سنرى إذا كان ممكناً زيادة التسهيلات لزيادة عدد المشاركين.
برأيك، هل التفاهمات الدولية أثّرت على نتائج الحفر في لبنان؟
يصعب أن تكون هناك بئر فيها كميات تجارية، وتأتي نتيجة الحفر أنها ليس تجارية، ولا سيما بالنسبة إلى عمق الحفر. لذلك هذا الأمر مستبعد. لكن ليس مستبعداً أن يكون القرار السياسي عاملاً مؤثّراً في إصرار الشركة، أو حماسها للعمل، ودرجة التزامها، وخصوصاً بالنسبة إلى الشركات الكبرى.
عندما لم يكن هناك حفر في البلوك 9 سألناهم لماذا لا نبدأ بالحفر لأننا بحاجة إلى ذلك اليوم، فردّوا بأن «الجار» لديكم عنده مصالح كبرى، ولديه قوّة وقدرة على الإيذاء لذلك، لا يمكننا أن نخاطر. وقالوا لنا إنه يهمهم وجود استقرار على الحدود البحرية، وإنهم على استعداد للحفر سريعاً إذا توافرت الظروف، وهذا ما حدث بالفعل. واليوم، الاستقرار السياسي يتوقف على توقف العمليات التي تقوم بها المقاومة في الجنوب.
للاطلاع على المقال كاملاً: اضغط هنا