يشهد لبنان هذه الأيام تصعيداً أمنياً وعسكرياً ملحوظاً في الجنوب والبقاع، يترافق مع حراك دبلوماسي إقليمي ودولي غير مسبوق. فبين الطلعات الجوية الإسرائيلية والمناورات الميدانية على الحدود، تتوالى زيارات الموفدين الأجانب إلى بيروت في محاولة لإعادة ضبط الإيقاع السياسي والأمني، وتثبيت هدنة تضمن مصالح الأطراف كافة.
مصادر متابعة تؤكد أن المبعوثة الأمريكية مورغان أورتيغوس ستصل إلى بيروت للمشاركة في اجتماع اللجنة الخماسية في الناقورة الأربعاء المقبل، المكلّفة بمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. ومن المتوقع أن تلتقي أورتيغوس الرؤساء الثلاثة، حاملة رسالة واضحة من واشنطن مفادها أن هناك استياءً دولياً من تراجع الدولة اللبنانية في التعاطي مع الملف الأمني ومن إعادة حزب الله هيكلة قدراته العسكرية. كما ستطرح مسألة المفاوضات المباشرة وحصر السلاح بيد الدولة، على أن تُمهل لبنان مدة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين لتقديم موقف رسمي إلى المبعوث الأمريكي توم براك، الذي يُنتظر أن يزور بيروت الشهر المقبل.
في موازاة التحرك الأمريكي، يصل إلى لبنان مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد على رأس وفد رفيع، بعد زيارة قام بها إلى الكيان الإسرائيلي حيث التقى بنيامين نتنياهو. وتشير المعطيات إلى أن رشاد يحمل رسائل موجهة إلى الدولة اللبنانية وحركة حماس وحزب الله، في إطار جهد مصري يهدف إلى منع انهيار اتفاق التهدئة في غزة. وتطرح القاهرة نفسها كـ وسيط محتمل بين بيروت وتل أبيب، مستفيدة من علاقاتها المتشعبة مع الجانبين.
كما من المنتظر أن يصل إلى لبنان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في إطار تنسيق عربي لمواكبة الحراك الدولي الجاري. وتؤكد مصادر سياسية أن هذه الزيارات المتزامنة تأتي ضمن خطة ضغط شاملة على لبنان، هدفها دفعه نحو التفاوض المباشر مع إسرائيل، وهو ما ترفضه السلطات اللبنانية رفضاً قاطعاً لاعتباره خطوة تمهّد لمسار التطبيع.
على الأرض، تستمر إسرائيل في تنفيذ مناورات عسكرية مكثفة على الحدود، يُنظر إليها كرسالة ضغط أكثر منها استعداداً لحرب. ويرى مراقبون أن تل أبيب، عبر هذه التحركات، تحاول جرّ واشنطن إلى انخراط أعمق في الملف اللبناني، في حين تسعى الأخيرة إلى تجنّب أي تورط مباشر في الشرق الأوسط.
في المحصلة، تبدو المرحلة الحالية مرحلة ضغوط سياسية وأمنية مركّزة على لبنان، لا بوادر حرب مفتوحة. فإسرائيل تلوّح بالقوة، وأمريكا تضغط بالدبلوماسية، ومصر تتحرك لتثبيت التهدئة. وبين كل ذلك، يسعى لبنان إلى استثمار اللحظة الإقليمية لإيصال صوته ومطالبه، مدركاً أن التفاوض على شروط الداخل قد يكون اليوم فرصته الأهم قبل أي تسوية مقبلة.